صديقة
لها قريبة غير متزوجة تعدّت الثلاثين، كانت تحضر فرح إحدى معارفها، عادي
بتحصل، واللي بيحصل أكتر أن تجلس امرأة عجوز إلى جوارها، تلك المرأة صاحبة
القلب الطيب التي نعرفها جيداً نحن البنات غير المتزوجات، التي تأتي الفرح
لهدف واحد نبيل؛ هو أن تخبرنا: عقبال ما نشرب شرباتك إن شاء الله، فنرد
الرّد المتأدب المعتاد على حشرية غير مقبولة: شكراً يا طنط، لكن قريبة
صديقتي ردت الرد المناسب وقالت: وعقبال ما نشرب قهوتك إن شاء الله، لتترك
طنط على مشارف جلطة.
ما الذي دفع فتاة جميلة وفنانة تشكيلية للنزول إلى الشارع بفستان زفاف من دون زفاف، ومن دون عريس من الأصل؟!
سماح حمدي جلست وسط السيدات والبنات في عربة السيدات في مترو الأنفاق،
لتترك الفضول يدفعهن إلى سؤالها هل العريس في عربة الرجال؟ طالما هنا فستان
زفاف فلابد أن في الناحية المجاورة رجل في بدلة زفاف أيضاً.
سماح راحت تتجوّل في شوارع القاهرة بالفستان وسط سخرية ونظرات تعجب، أرادت
أن تهدم قدسية الحدث الكبير الذي يخبرها الجميع أنها دون حدوثه تصبح لا
شيء، يوم الزفاف الذي تجلس فيه العروسة في سيارة مزينة وسط طابور من سيارات
الأهل والأصدقاء الذين يعلنون بالكلاكسات بإصرار شديد للعالم: نحن نلوث
آذانكم بهذا الصوت المزعج، لأن هناك شخصاً ما سوف يتزوّج كآلاف البائسين
منكم، أولئك الذين تزوجوا رغبة في رضا المجتمع، وها نحن نُرضِي المجتمع
أيضاً ونخبركم أننا اليوم سعداء بهذا الإنجاز العظيم، وإنْ قضينا باقي
حياتنا بائسين.
لابد أن نخبر أمهاتنا أن مرحلة وضع اليد على القلب وقول: قلبي قلبي قلبي،
هي مرحلة انتهت من أيام المرحومة ميمي شكيب، وأن محاولة إشعارنا بالذنب
أننا سنكون السبب في رحيلهن عن عالمنا حزانى غير مطمئنات على مصيرنا؛ هي
مرحلة انتهت أيضاً، وأن قرار الزواج أو العيش وحيدات هو قرار يخصنا وحدنا،
أحب اللعبة التي ألعبها أنا وأمي تسألني: مش هتقولي حاجة تبسطني؟ فأخبرها:
فيه طبعاً؛ فتسأل بلهفة: إيه؟ فأقول: أنا مبسوطة ودي حاجة المفروض تبسطك
طبعاً، تضحك وتخبرني كالعادة: يسد نفسك يا بعيدة دايماً سادة نفسي.
الزواج هو أن نكون مع شخص نرغب أن نكون معه بشدة، قرار نتحمل بناءً عليه
مسؤولية كبيرة، ومن يتحمل المسؤولية لابدّ أن يكون مسؤولاً عن نفسه وعن
قراراته أولاً، حتى يكون أهلاً لأن يكون مسؤولاً عن كيان كبير اسمه الأسرة،
الزواج ليس فرصة علينا أخذها من أقرب الفرص المتاحة فربما لا تتاح لنا فرص
أخرى! وسن الزواج غير قابل لتحديد انتهاء صلاحيته.
لازم الناس تتجوز... جملة نسمعها جميعاً ويرددها الأغلبية، حين تسأل ليه
لازم نتجوز؟ يخبرونك عشان الوحدة صعبة، إذن فليسأل كل منكم أباه وأمه هل لا
يشعر أحدهما بالوحدة لأنه متزوج ولديه أولاد؟ أعتقد أن الصريح منهما
سيخبرك أن الوحدة تأكل لياليه، أو يخبرك بإجابة أخرى للسؤال: لازم نتجوز
عشان نلاقي ولادنا يشيلونا لما نكبر، أخبرني بشعورك أن تأتي إلى الحياة لأن
أهلك أنجبوك فقط لأنك بديل لشركات التأمين عن الحياة.
رانيا كانت عاملة البوفيه في الشركة التي كنت أعمل فيها منذ فترة، كانت
زوجة لرجل (نطع) وهي من أقوى النساء اللاتي رأيتهن يوماً، في الوقت الذي
كان ينام زوجها في بيت أهله، كانت هي تقف مستميتة أمام باب شقتها في مواجهة
صاحب البيت الذي تسكن فيه، وتهدّد رجال تنفيذ الأحكام الحاملين حكماً
قضائياً لصالح صاحب المبنى بإخلاء الشقة قائلة «هتدخلوا على جثتي، مش
هننطرد من الشقة من غير ما الراجل الضلالي صاحب المِلك يدينا حقنا في
الفلوس اللي عنده، مش هبات أنا وبنتي في الشارع» حتى توصلت إلى حل وسط
وتحصلت على مبلغ دفعت منه التأمين وشهر إيجار في شقة أخرى.
رانيا تزوجت وكان ظل الحيطة أكثر نفعاً من ظل زوجها، الحماية التي أقنعها
أهلها أنها ستغيب عن حياتها إن لم تتزوج؛ لم يوفرها لها الزوج الذي لم تحسن
اختياره أو لم تكن لها فرصة الاختيار أصلاً.
فيلم «بنتين من مصر» يحكي عن فتاتين مقبلتين على سن الثلاثين مذعورتين،
فيلم يجب أن أشاهده أنا بنت الثلاثينيات بأسى عظيم؛ مأسوفة على شبابي
المهدور دون الإنجاز العظيم كزوجة وأم.
فتاتان إحداهما طبيبة تحضر للماجستير، وأخرى موظفة مثالية في إحدى
الجامعات، لكنهما غير متزوجتين، يعرض الفيلم معاناة تثير في نفسي الضحك بين
المشهد والآخر.
فتاتان من مصر؛ معاناتهما الحقيقية لم تكن ترقد خلف المجتمع الذي ينكر
نجاحاتهما العملية غير المقرونة بكونهما زوجتين، ولا بالعقل الذكوري
المتمثل في زميل موظفة الجامعة التي حاولت أن تصطاده بكل الطرق عريساً،
فيما هو كان يفكر في بنت العشرينيات، ولا في خطيبها الذي طلب منها كشفاً
للعذرية شرطاً لإتمام الزواج، ولا في الطبيب زميل الطبيبة التي حاولت أن
تنال إعجابه بالتظاهر أنها مهتمة بالسياسة لتتفاجأ أنه مخادع مثلها تماماً
لكن بطريقة أخرى، المشكلة الحقيقة كانت في نظرتهما للنفس، كانتا تحتقران
نفسيهما لأنهما غير متزوجتين، ولم يهنهما أحد بمقدار ما أهانتا هما
نفسيهما.
فيلم تافه يريد أن يصور سن الثلاثين الذي نصبح ببلوغه في أجمل هيئتنا شكلاً
ونضجاً، أنه «بعبع» يخطف فرصنا في الحياة السعيدة، يريد أن يأخذ تعاطفنا
ليعطيه لفتاتين ضعيفتين لا تستحقان التعاطف أصلاً.
في عيادة طبيب الأسنان دائماً أدردش مع سميحة السكرتيرة في انتظار دوري، سميحة بنت في ال27 من عمرها، تقول:
- أصل أنا اتخطبت مرتين بس في كل مرة كنت بحس إن في حاجة بتخنقني ومش قادرة أكمل.
كويس إنك مكملتيش، عيشة إيه اللي الواحد يعيشها مخنوق دي!!
- بس العمر بيعدي.
يعني يعدي وإنتِ مخنوقة ولا وإنت بتتنفسي؟
- طب حضرتك عندك كام سنة!!
31 سنة.
- بس إنتِ حلوة هم الرجالة أتعموا.
جاء دوري عند الطبيب فلم أخبر سميحة يومها أن جملة «الرجالة عميوا» دي
تجلعها وتجعلني أشياء معروضة للبيع، ورغم حلاوتها لم يأت زبونها، إننا طرف
في العلاقة ومن حقنا الاختيار، وأن قيمتنا في أن نكون نساء قويات نعرف ما
نريده فعلاً، ونكون مع من يستحقنا ونشفق على من يطلقون علينا عوانس ونضحك
من مصمصة الشفايف، ونعلم تمام العلم، أن التعساء في حياتهم فقط هم من
يتدخلون باستماتة في حياة الآخرين.

ليست هناك تعليقات: